البدعة هي الفعلة المخالفة للسنة، سميت البدعة لأن قائلها ابتدعها من غير مقال إمام، وهي الأمر المحدث الذي لم يكن عليه الصحابة
والتابعون، ولم يكن مما اقتضاه الدليل الشرعي.
البِدعة لعلَّ من أكثر ما يمرُّ من الأحكام على أسماع
المسلمين ويحتارون في مضمونه ما يتعلَّق بالبِدعة، فقد
ظهرت فِرَقٌ إسلاميّة عدّة، تُعطي لكلّ مسألةٍ لم يرد فيها
حكمٌ شرعيٌّ، أو لم يكن لها سندٌ شرعيٌّ، أو تطبيقٌ نبويٌّ،
وصفَ البِدعة، أو ما يُسمّى بالبِدَع، وقد زاد الأمر عن حدِّ
المعقول حتى إنَّ البعض يُعطون حتّى ما يتعلَّق بالأمور
الدنيويّة لقب بِدعة، فلم يبقَ للناس من أمور دنياهم سبيلٌ
يلجؤون إليه ليس فيه بِدعةٌ، ممّا يعني توغّل الإثم في جميع
تصرّفاتهم وأفعالهم وحاجياتهم، فما هي البِدعة في
الإسلام، وما هي النظرة الصحيحة لها بناءً على النصوص
النبويّة الصحيحة، وهل صحيحٌ أن كلَّ مُحدثٍ بِدعة، أم
أنّ للبِدعة قيوداً وضوابط وحدوداً، فلا ينطبق لفظ البِدعة
إلا على ما تتوفر فيه تلك الضوابط والشروط؟ معنى
البِدعة البِدعة لُغةً البِدعة في اللغة: مفرد بِدْعات وبِدَع، ولها عدّة معانٍ
حسب استخدامها في الجملة، وهي:[١] البِدعة: عند
إطلاقها تعني ما استُحْدِث من الأمور والأفعال، سواءً كان
ذلك في الدِّين أو في غيره. البِدْعة العلميّة: تعني إحداث
أمرٍ جديدٍ في العلم، أو ابتكار واختراع ما لم يكن سابقاً.
أهل البِدَع: هم الذين يخرجون على تعاليم الدين
الصحيحة. طلاق البِدْعَة أو الطلاق البدعي: يعني تطليق
الرجلُ زوجتَه
ثلاث طلقات بكلمة واحدة، أو أن يُطلّقها ثلاثًا في طُهْرٍ
واحدٍ في أوقات متقاربة، أو أن يطلِّقها أثناءَ حيضها.
البِدعة اصطلاحاً للبِدعة في الاصطلاح الفقهيّ عدّة
تعريفات، وهذه التعريفات جميعها مُكمِّلةٌ لبعضها البعض،
وممّا جاء في تعريف البِدعة عند العلماء ما عرَّفه الإمام
ابن تيمية، فعرّف البِدعة في الدين بأنّها ما لم يُشرِّعْه الله -سبحانه
وتعالى- أو رسوله المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، أو هي
فعل ما لم يأمر به الله ورسوله أمر إيجابٍ، أو حتّى أمر
استحباب.[٢] وعرَّف الإمام الشاطبيّ -رحمه الله- البِدعة
بأنّها طريقةٌ مخترعةٌ في دين الله، تُضاهي أو تُماثل
الأحكام الشرعيَّة، وتُضاهي هنا تعني (أنّها تشبه الطريقة
الشرعيّة، غير أنّ الحقيقة ليست كذلك بل هي مُضادّة لها)،
ويُقصَدُ بفعل تلك الطرق وابتداعها والسلوك عليها زيادةُ
التقرُّب إلى الله -سبحانه وتعالى- والمبالغة في عبادته عزَّ
وجل، وهذا التعريف يصدق عند من يرَون أنّ البِدع لا
تدخل في العادات؛ فلا يمكن حسب رأيهم أن تُسمّى
العادات بِدَعاً، إنّما لا تُطلق البِدعة إلا على ما كان مُحدَثاً
في دين الله -العبادات على وجه التّخصيص.[٢] ومن يرى
إدخال الأعمال العاديّة والعادات اليوميّة في معنى البِدعة
، فقد عرَّف البِدعة بمفهومٍ آخر هو أنّها (طريقة في الدِّين
مُخترَعةٌ، تضاهي الشّرعيّة، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد
بالطريقة الشرعيّة)، ويرى الإمام الحافظ ابن رجب -رحمه الله- أنّ
للبِدعة مفهوماً آخر فيقول: (والمراد بالبِدعة ما أُحدِث ممّا
لا أصل له في الشريعة يدلُّ عليه، فأمّا ما كان له أصل من
الشرع يدلّ عليه، فليس ببِدعة شرعاً، وإن كان بِدعةً لغةً،
فكلّ من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصل
من الدِّين يرجع إليه فهو ضلالة، والدّين بريء منه، سواءً
كان ذلك في مسائل الاعتقادات، أو الأعمال، أو الأقوال
الظاهرة والباطنة).[٢] حدّ البِدعة في الشرع نشأ التوسُّع
في إطلاق لفظ التبديع والبِدعة على الكثير من الأمور
والعادات نتيجة خلاف العلماء في معنى مفهوم البِدعة
وحدودها وضوابطها، لذلك فإنّ من يُدرك حدود البِدعة
شرعاً يعي جيّداً ما يُمكن إدخاله في مفهوم البِدَع وما لا
يمكن أن يكون منها، وفيما يأتي بيان آراء العلماء في حدّ البِدعة